نصائح في الطريق الى الله
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
نصائح في الطريق الى الله
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة على الانبياء و الطيبين
سلام الله علـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكم
سننشر بين ايديكم كتاب العلامة الكبير حسن زادة املي
السير الى الله
الحلقة الاولى
الفصل الاول
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لك يا من شرف أولياءه بلقائه، وكرم أحباءه بالعكوف على فنائه، سبحانك يا من انتجب أسرار أهله لرؤية جماله، واحتجب عن أبصار خليقته بحجاب جلاله، صل اللهم على مظهرك الأتم، وجامع الكلم والحكم، المنزل عليه ما يهدي للتي هي أقوم، وآله خير الورى وأعلام الهدى ومن اتبع هديهم من أولى النهي.
وبعد
فيقول العبد الراجي لقاء ربه الكريم (نجم الدين حسن بن عبد الله الطبري المدعو بحسن زاده الآملي) بلغه الله وجميع المؤمنين إلى آمالهم ورزقهم نعمة لقائه:
يا أهل الوداد والسداد وطالبي الهداية والرشاد، يا إخوان الصفاء وخلان الوفاء إلى متى؟.. وحتى متى؟.. جاز لنا الحرمان عن حرم الحب والخذلان في غيابة الجب؟.. وما لنا ألا نسير إلى نواحي القدس؟.. ولا نطير إلى رياض الأنس؟.. أو ترون أنا خُلقنا عبثا، أو تُركنا سدى؟.. نأكل ونتمتع كالأنعام السائمة، غافلين عن لقاء الله عز وجل إلى أن يدركنا الأجل، ويلهينا الأمل؟.. كلا، وحاشاكم عن هذا الظن و {إن بعض الظن إثم} [الحجرات: 12] {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والأصال ولا تكن من الغافلين*إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون} [الأعراف: 206].
خليلي نحن نيام في فراش الغفلة، وقد أدبرت العاجلة وأقبلت الآخرة {إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوما ثقيلا}[الإنسان: 27]، {يوما عبوسا قمطريرا} [الإنسان: 10]، {يوما كان شره مستطيرا} [الإنسان: 7].
قد أتى يوم تبلى فيه السرائر، وما زرع في الأول يحصد في الآخر، فانظروا بما أسلفتم في الأيام الخالية، واقرأوا ألواح أنفسكم تخبركم عن غدكم وأمسكم ورمسكم.
واستمع ماذا يقول برهان السالكين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين علي أمير المؤمنين: ((احذروا عباد الله الموت ونزوله، وخذوا له فإنه يدخل بأمر عظيم خير لا يكون معه شر أبدا، وشر لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها، ومن أقرب إلى النار من عاملها.
ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصير، إلى الجنة أم إلى النار؟.. أعدو هو لله أم ولي له؟.. فإن كان وليا فتحت له أبواب الجنة وشرع له طريقها، ونظر إلى ما أعد الله عز وجل لأوليائه فيها، فرغ من كل شغل، ووضع عنه كل ثقل، وإن كان عدوا فتحت له أبواب النار وسهل له طريقها ونظر إلى ما أعد الله لأهلها واستقبل كل مكروه.
واعلموا عباد الله أن ما بعد اليوم أشد وأدهى: نار قعرها بعيد، وحرها شديد، وعذابها جديد، ومقامعها حديد، وشرابها صديد، لا يفتر عذابها، ولا يموت ساكنها، دار ليس لله سبحانه فيها رحمة، ولا يسمع فيها دعوة)).
فطوبى لمن انتبه عن النوم وتشمر الذيل لتدارك اليوم، ثم طوبى لمن راقب سره عما سوى الله وما طلب إلا القرب منه ولقاءه ورضاه، فإن أمرنا ألا نعبد إلا إياه ولا نطلب إلا إياه، فوحد الله سبحانه بصدق السريرة حتى ترى بعين البصيرة أن لا هو إلا هو ولا إله إلا هو، {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115]، {هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو معكم أينما كنتم} [الحديد: 3].
خليلي إني لأستحيي من نفسي فضلا عن غيري بأن أقول: هذه رسالة عملتها يداي في لقاء الله تعالى، كيف لا، وأنَّي لهذا المطرود عن صف النعال، بل المردود عن الباب أن يأتي فيه بكتاب؟.. وهل هذا إلا الخروج عن الزي؟.. ولا يخرج عنه إلا البذيّ.
قال أفلاطون الإلهي: ((إن شاهق المعرفة أشمخ من أن يطير إليه كل طائر وسرادق البصيرة أحجب من أن يحوم حوله كل سائر)).
وقال الشيخ الرئيس أبو على سينا في آخر النمط التاسع من الإرشادات في مقامات العارفين: ((جل جناب الحق عن أن يكون شريعة لكل وارد أو يطلع عليه إلا واحد بعد واحد)).
وقال أبو الفتح يحيى بن حبش بن أميرك الملقب شهاب الدين السهروردي الحكيم المقتول: ((الفكر في صورة قدسية يتلطف بها طالب الأريحية، ونواحي القدس دار لا يطأها القوم الجاهلون وحرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السماوات فوحد الله وأنت بتعظيمه ملآن، واذكره وأنت من ملابس الأكوان عريان، ولو كان في الوجود شمسان لانطمست الأركان وأبى النظام أن يكون غير ما كان)) (نقلنا كلامه من تاريخ ابن خلكان).
وقال العارف السنائي، ما ترجمته:
لم يحمل أي كان عظمة التوحيد ولم يذُق أيَّ كان طعم التوحيد
وقال العارفي الرومي، ما ترجمته:
لم يستوعب أي عقل ذكرك، فذكرك كالقرط الذي لا تستطيع أي أذن أن تتزين به
وبالجملة هذا المحروم بقصور باعه مقر، في إقراره مصر، وعلى نفسه بصير، وبأمره خبير، يفوه من شدة الخجل أخفى من الهمس، ويبوه من كثرة الوجل كعليل دان حلوله في الرمس ويقول:
إننا لم نعشق سواك ولقائك يا رب، هو غاية المنى فهذا هو طريقنا ونهجنا إليك ولم نسلك غيره طريقا ونهجا ولن يكن لجليل ساحة أفسح من ساحة قدسك يا رباه فنفحات المسك والعود والعنبر لا تجاري نفحات أنسك لطافة وعذوبة ولا يوجد حديثا أعذب من حديثك أو ديوانا اجمل من ديوانك فديوانك كالبحر الذي لا نهاية له لم يستطيع أي كان أن يبحر فيه ولا يستطيع قلب أن يصل إلى سر حديثك إذا لم يكن طاهرا لن يوجد متحدثا في كل الأزمان ليصف صفاتك الجميلة فكل ما قالوه وما يقولوه لن يبين لنا واحدة من حقيقة عظمتك فتلك دودة ضوء الليل ليست قادرة على وصف شمس مغارب الأرض مشارقها كل شيء وجميع من أراه يلتمسون رحمتك في ساحة قدسك ولا توجد ذرة في هذا الوجود ليست مسخرة لأمرك فكل ما تجلى من صنعك، هو خير محض وليس فيه ذرة شر وإذا كان العجب يسود كل نقش أو أثر، فهذا الإعجاب ليس له مثيل فكل ما يصفون بقول الرفيق والمحبوب والشاهد والمعشوق لا يوجد غيرك، فأنت المعشوق الوحيد والذي لم تصبه سهام عشقك وتمزق قلبه لم يهتد ليسلك صراطك العقل الذي لا يتملكه عشقك، فهو في الحقيقة لا شيء وليس بعقل والقلب الذي لم يبصر أشعة ضيائك، لن يكون مضيئا بل هو قلب مظلم أسود فالصادق الذي يسلك درب رضاك لم تكدره المصائب التي يبتلى بها في طريقه لأن الذي يحدث هو محتوم ومقدر وكل الذي لا يحدث هو ليس مقدر فعندما تفتش عن سالك سبيل الله عز وجل لا تجده إلا صامتا ومتفكرا والعاشق المتعطش للقائك لا يشعر بكل ما يجري وكل ما يحدث وجسمه من أجل تعبدك وطاعتك لا يميل إلى النوم والفراش فهو يلقاك بقلبه وعقله كل يوم ولا ينتظر يوم الحشر ليسعد بلقائك والنار التي في قلبه هي ليست شرارة إنما هي عين نار الله عز وجل إن العشق ليس سخرية الأطفال في المعابر والأزقّة إنما هو عادة المتعبدين الشجعان فالوقوع في نار عشقه اللاهبة لايحتملها إلا القوي ذو العزيمة والذي يبصره العاشق لا تبصره نافذة رؤية الفكر والعقل فحلاوة عبادته خلوة في الليل لا تجارى بحلاوة الشهد والسكر ولا يوجد طعم خمرة حضوره من ينبوع السلسبيل والكوثر وما يجده العابد في لقياه لا تستطيع أن تشرحه قصبة الكاتب ليس صدقا إن كان العابد يتمنى أمنياته بدلا من البكاء في الأسحار فالعاقل الحكيم لا يبحث عن تاج أو ملك أو سلطنة إن إيمانه بالله عز وجل كاسد الذي هو أقوى من مئة سد منيع لا يوجد حصنا أو برجا أو خندقا أفضل من كلمة لا إله إلا الله ولا يوجد حاكم إلا الله عز وجل في مملكة الأرض الواسعة وسفينة ممكنات العالم، مرساها الوحيد هو اسم الله جل وعلا كل باطن وظاهر وكل أمر خفي أو واضح يبين لنا عظمة الخالق هو أصل هذا الوجود ولا يملك زوجة أو ما يجاريه عظمة ومقاما ما يقوله قائل فيه وما قيل عنه وما قالا والقول فيه هي تعابير انبثقن من مصدر قول واحد في وصف عظمته وجماله وها أنا أصفه بكل ما يجب أن يوصف وأعجز عن وصف أكثر يا من ابتعد عن روضة العشاق إن روحك لم تتعطر بالعبير بعد ويا من غافل عن أحوال نفسه أقول لك بأنك كالأعمى والأصم وإذا كنت قد أوجدت من حولك هالة من الذنوب والمعاصي فهذا ليس إثم الشمس والقمر والكواكب أنت من الذي توجد الجنة أو الجحيم لنفسك فالنفس هي وحدها التي تكون رسالة ناصعة أو تكون كالثعبان الماردة والمسلم الذي يلازم أهواءه ليس بالاسم كافر فقط، إنما هو في الحقيقة مشرك فذلك الطماع الشره وإن كان لا يسمى بالحمار والبغل فهو حيوان في الحقيقة يا من لازم الجهل والسذاجة فليس هذا درب العاقلين والإنسان في دار الدنيا لا يزينه إلا العلم والمعرفة فالعلم ليس لتحصيل المال والذهب إنما هو يعطي الروح حياة ونضارة توجه إلى الحبيب المصطفى كأبي ذر لتنقي روحك ففيض الحق ليس وقفا لأبي ذر تحرر من القيود النفسانية لتبصر ما لا يمكن أن يرى تداركوا أنفسكم أيها المحبين لأن أيجاد المخلوقات ليس سخرية أو كلاما جزافا فيا حسن نجم آملي ( كناية عن الشاعر) اعلم أن الله عز وجل هو ينبوع الحكمة الأزلي.
ثم أقول: لا ريب أن الاقتحام في ذلك المشهد العظيم فوق شأن هذا المسكين الذي لم يذق حلاوة ذكر الله ولم يتنعم بنعمة المراقبة والحضور ولم يخرج من سجن الدنيا الدنيَّة ومن ظلمة دار الغرور، إلى عالم النور والسرور، {يا حسرتي على ما فرَّطت في جنب الله} [الزمر: 56]، ولله در الشاعر قائلا:
خلق الله للحروب رجالا ورجالا لقصعة وثريد
ولكن كما قيل: ألق في الدَّلاء دلوك.
نشير إلى عدة آيات وروايات وأدعية وأذكار ومطالب رشيقة أنيقة من كبار تنبيها للغافلين وأنا منهم، وتذكرة للمستبصرين، فنقول قد بحثنا عن رؤيته تعالى في شرحنا على المختار الثامن من كتب أمير المؤمنين عليه السلام من النهج (ص 242 – إلى 323 ج 17) لكن ذلك البحث كان طورا، وهذا البحث طور آخر، وإن كان أحدهما يعاضد الآخر، وقد أشرنا هنالك إلى هذا المطلب الأسنى أعني البحث عن لقاء الله أيضا إجمالا فإن شئت قلت إن هذا البحث مكمل ذلك.
سلام الله علـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــكم
سننشر بين ايديكم كتاب العلامة الكبير حسن زادة املي
السير الى الله
الحلقة الاولى
الفصل الاول
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لك يا من شرف أولياءه بلقائه، وكرم أحباءه بالعكوف على فنائه، سبحانك يا من انتجب أسرار أهله لرؤية جماله، واحتجب عن أبصار خليقته بحجاب جلاله، صل اللهم على مظهرك الأتم، وجامع الكلم والحكم، المنزل عليه ما يهدي للتي هي أقوم، وآله خير الورى وأعلام الهدى ومن اتبع هديهم من أولى النهي.
وبعد
فيقول العبد الراجي لقاء ربه الكريم (نجم الدين حسن بن عبد الله الطبري المدعو بحسن زاده الآملي) بلغه الله وجميع المؤمنين إلى آمالهم ورزقهم نعمة لقائه:
يا أهل الوداد والسداد وطالبي الهداية والرشاد، يا إخوان الصفاء وخلان الوفاء إلى متى؟.. وحتى متى؟.. جاز لنا الحرمان عن حرم الحب والخذلان في غيابة الجب؟.. وما لنا ألا نسير إلى نواحي القدس؟.. ولا نطير إلى رياض الأنس؟.. أو ترون أنا خُلقنا عبثا، أو تُركنا سدى؟.. نأكل ونتمتع كالأنعام السائمة، غافلين عن لقاء الله عز وجل إلى أن يدركنا الأجل، ويلهينا الأمل؟.. كلا، وحاشاكم عن هذا الظن و {إن بعض الظن إثم} [الحجرات: 12] {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والأصال ولا تكن من الغافلين*إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون} [الأعراف: 206].
خليلي نحن نيام في فراش الغفلة، وقد أدبرت العاجلة وأقبلت الآخرة {إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورائهم يوما ثقيلا}[الإنسان: 27]، {يوما عبوسا قمطريرا} [الإنسان: 10]، {يوما كان شره مستطيرا} [الإنسان: 7].
قد أتى يوم تبلى فيه السرائر، وما زرع في الأول يحصد في الآخر، فانظروا بما أسلفتم في الأيام الخالية، واقرأوا ألواح أنفسكم تخبركم عن غدكم وأمسكم ورمسكم.
واستمع ماذا يقول برهان السالكين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين علي أمير المؤمنين: ((احذروا عباد الله الموت ونزوله، وخذوا له فإنه يدخل بأمر عظيم خير لا يكون معه شر أبدا، وشر لا يكون معه خير أبدا، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها، ومن أقرب إلى النار من عاملها.
ليس أحد من الناس تفارق روحه جسده حتى يعلم إلى أي المنزلتين يصير، إلى الجنة أم إلى النار؟.. أعدو هو لله أم ولي له؟.. فإن كان وليا فتحت له أبواب الجنة وشرع له طريقها، ونظر إلى ما أعد الله عز وجل لأوليائه فيها، فرغ من كل شغل، ووضع عنه كل ثقل، وإن كان عدوا فتحت له أبواب النار وسهل له طريقها ونظر إلى ما أعد الله لأهلها واستقبل كل مكروه.
واعلموا عباد الله أن ما بعد اليوم أشد وأدهى: نار قعرها بعيد، وحرها شديد، وعذابها جديد، ومقامعها حديد، وشرابها صديد، لا يفتر عذابها، ولا يموت ساكنها، دار ليس لله سبحانه فيها رحمة، ولا يسمع فيها دعوة)).
فطوبى لمن انتبه عن النوم وتشمر الذيل لتدارك اليوم، ثم طوبى لمن راقب سره عما سوى الله وما طلب إلا القرب منه ولقاءه ورضاه، فإن أمرنا ألا نعبد إلا إياه ولا نطلب إلا إياه، فوحد الله سبحانه بصدق السريرة حتى ترى بعين البصيرة أن لا هو إلا هو ولا إله إلا هو، {فأينما تولوا فثم وجه الله} [البقرة: 115]، {هو الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو معكم أينما كنتم} [الحديد: 3].
خليلي إني لأستحيي من نفسي فضلا عن غيري بأن أقول: هذه رسالة عملتها يداي في لقاء الله تعالى، كيف لا، وأنَّي لهذا المطرود عن صف النعال، بل المردود عن الباب أن يأتي فيه بكتاب؟.. وهل هذا إلا الخروج عن الزي؟.. ولا يخرج عنه إلا البذيّ.
قال أفلاطون الإلهي: ((إن شاهق المعرفة أشمخ من أن يطير إليه كل طائر وسرادق البصيرة أحجب من أن يحوم حوله كل سائر)).
وقال الشيخ الرئيس أبو على سينا في آخر النمط التاسع من الإرشادات في مقامات العارفين: ((جل جناب الحق عن أن يكون شريعة لكل وارد أو يطلع عليه إلا واحد بعد واحد)).
وقال أبو الفتح يحيى بن حبش بن أميرك الملقب شهاب الدين السهروردي الحكيم المقتول: ((الفكر في صورة قدسية يتلطف بها طالب الأريحية، ونواحي القدس دار لا يطأها القوم الجاهلون وحرام على الأجساد المظلمة أن تلج ملكوت السماوات فوحد الله وأنت بتعظيمه ملآن، واذكره وأنت من ملابس الأكوان عريان، ولو كان في الوجود شمسان لانطمست الأركان وأبى النظام أن يكون غير ما كان)) (نقلنا كلامه من تاريخ ابن خلكان).
وقال العارف السنائي، ما ترجمته:
لم يحمل أي كان عظمة التوحيد ولم يذُق أيَّ كان طعم التوحيد
وقال العارفي الرومي، ما ترجمته:
لم يستوعب أي عقل ذكرك، فذكرك كالقرط الذي لا تستطيع أي أذن أن تتزين به
وبالجملة هذا المحروم بقصور باعه مقر، في إقراره مصر، وعلى نفسه بصير، وبأمره خبير، يفوه من شدة الخجل أخفى من الهمس، ويبوه من كثرة الوجل كعليل دان حلوله في الرمس ويقول:
إننا لم نعشق سواك ولقائك يا رب، هو غاية المنى فهذا هو طريقنا ونهجنا إليك ولم نسلك غيره طريقا ونهجا ولن يكن لجليل ساحة أفسح من ساحة قدسك يا رباه فنفحات المسك والعود والعنبر لا تجاري نفحات أنسك لطافة وعذوبة ولا يوجد حديثا أعذب من حديثك أو ديوانا اجمل من ديوانك فديوانك كالبحر الذي لا نهاية له لم يستطيع أي كان أن يبحر فيه ولا يستطيع قلب أن يصل إلى سر حديثك إذا لم يكن طاهرا لن يوجد متحدثا في كل الأزمان ليصف صفاتك الجميلة فكل ما قالوه وما يقولوه لن يبين لنا واحدة من حقيقة عظمتك فتلك دودة ضوء الليل ليست قادرة على وصف شمس مغارب الأرض مشارقها كل شيء وجميع من أراه يلتمسون رحمتك في ساحة قدسك ولا توجد ذرة في هذا الوجود ليست مسخرة لأمرك فكل ما تجلى من صنعك، هو خير محض وليس فيه ذرة شر وإذا كان العجب يسود كل نقش أو أثر، فهذا الإعجاب ليس له مثيل فكل ما يصفون بقول الرفيق والمحبوب والشاهد والمعشوق لا يوجد غيرك، فأنت المعشوق الوحيد والذي لم تصبه سهام عشقك وتمزق قلبه لم يهتد ليسلك صراطك العقل الذي لا يتملكه عشقك، فهو في الحقيقة لا شيء وليس بعقل والقلب الذي لم يبصر أشعة ضيائك، لن يكون مضيئا بل هو قلب مظلم أسود فالصادق الذي يسلك درب رضاك لم تكدره المصائب التي يبتلى بها في طريقه لأن الذي يحدث هو محتوم ومقدر وكل الذي لا يحدث هو ليس مقدر فعندما تفتش عن سالك سبيل الله عز وجل لا تجده إلا صامتا ومتفكرا والعاشق المتعطش للقائك لا يشعر بكل ما يجري وكل ما يحدث وجسمه من أجل تعبدك وطاعتك لا يميل إلى النوم والفراش فهو يلقاك بقلبه وعقله كل يوم ولا ينتظر يوم الحشر ليسعد بلقائك والنار التي في قلبه هي ليست شرارة إنما هي عين نار الله عز وجل إن العشق ليس سخرية الأطفال في المعابر والأزقّة إنما هو عادة المتعبدين الشجعان فالوقوع في نار عشقه اللاهبة لايحتملها إلا القوي ذو العزيمة والذي يبصره العاشق لا تبصره نافذة رؤية الفكر والعقل فحلاوة عبادته خلوة في الليل لا تجارى بحلاوة الشهد والسكر ولا يوجد طعم خمرة حضوره من ينبوع السلسبيل والكوثر وما يجده العابد في لقياه لا تستطيع أن تشرحه قصبة الكاتب ليس صدقا إن كان العابد يتمنى أمنياته بدلا من البكاء في الأسحار فالعاقل الحكيم لا يبحث عن تاج أو ملك أو سلطنة إن إيمانه بالله عز وجل كاسد الذي هو أقوى من مئة سد منيع لا يوجد حصنا أو برجا أو خندقا أفضل من كلمة لا إله إلا الله ولا يوجد حاكم إلا الله عز وجل في مملكة الأرض الواسعة وسفينة ممكنات العالم، مرساها الوحيد هو اسم الله جل وعلا كل باطن وظاهر وكل أمر خفي أو واضح يبين لنا عظمة الخالق هو أصل هذا الوجود ولا يملك زوجة أو ما يجاريه عظمة ومقاما ما يقوله قائل فيه وما قيل عنه وما قالا والقول فيه هي تعابير انبثقن من مصدر قول واحد في وصف عظمته وجماله وها أنا أصفه بكل ما يجب أن يوصف وأعجز عن وصف أكثر يا من ابتعد عن روضة العشاق إن روحك لم تتعطر بالعبير بعد ويا من غافل عن أحوال نفسه أقول لك بأنك كالأعمى والأصم وإذا كنت قد أوجدت من حولك هالة من الذنوب والمعاصي فهذا ليس إثم الشمس والقمر والكواكب أنت من الذي توجد الجنة أو الجحيم لنفسك فالنفس هي وحدها التي تكون رسالة ناصعة أو تكون كالثعبان الماردة والمسلم الذي يلازم أهواءه ليس بالاسم كافر فقط، إنما هو في الحقيقة مشرك فذلك الطماع الشره وإن كان لا يسمى بالحمار والبغل فهو حيوان في الحقيقة يا من لازم الجهل والسذاجة فليس هذا درب العاقلين والإنسان في دار الدنيا لا يزينه إلا العلم والمعرفة فالعلم ليس لتحصيل المال والذهب إنما هو يعطي الروح حياة ونضارة توجه إلى الحبيب المصطفى كأبي ذر لتنقي روحك ففيض الحق ليس وقفا لأبي ذر تحرر من القيود النفسانية لتبصر ما لا يمكن أن يرى تداركوا أنفسكم أيها المحبين لأن أيجاد المخلوقات ليس سخرية أو كلاما جزافا فيا حسن نجم آملي ( كناية عن الشاعر) اعلم أن الله عز وجل هو ينبوع الحكمة الأزلي.
ثم أقول: لا ريب أن الاقتحام في ذلك المشهد العظيم فوق شأن هذا المسكين الذي لم يذق حلاوة ذكر الله ولم يتنعم بنعمة المراقبة والحضور ولم يخرج من سجن الدنيا الدنيَّة ومن ظلمة دار الغرور، إلى عالم النور والسرور، {يا حسرتي على ما فرَّطت في جنب الله} [الزمر: 56]، ولله در الشاعر قائلا:
خلق الله للحروب رجالا ورجالا لقصعة وثريد
ولكن كما قيل: ألق في الدَّلاء دلوك.
نشير إلى عدة آيات وروايات وأدعية وأذكار ومطالب رشيقة أنيقة من كبار تنبيها للغافلين وأنا منهم، وتذكرة للمستبصرين، فنقول قد بحثنا عن رؤيته تعالى في شرحنا على المختار الثامن من كتب أمير المؤمنين عليه السلام من النهج (ص 242 – إلى 323 ج 17) لكن ذلك البحث كان طورا، وهذا البحث طور آخر، وإن كان أحدهما يعاضد الآخر، وقد أشرنا هنالك إلى هذا المطلب الأسنى أعني البحث عن لقاء الله أيضا إجمالا فإن شئت قلت إن هذا البحث مكمل ذلك.
العربي الحديدوي- مشرف عام
- عدد المساهمات : 11
السٌّمعَة : 1
تاريخ التسجيل : 03/03/2015
الموقع : المملكة المغربية
الحاجة شامة- صاحبة الموقع
- عدد المساهمات : 96
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/02/2015
رد: نصائح في الطريق الى الله
جزاك الله خيرا
llidi- نائب المدير
- عدد المساهمات : 70
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 14/02/2015
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى